ماذا عن الحب

بأخطائكَ وتهورك وإخفاقاتكَ أحبك

كان يجلس مطأطأ الرأس يكاد الحزن يسحق كاهله، بعد أن خسر وظيفته للمرة الثانية على التوالي. ذاك الرجل القوي الشامخ العنيد يشعر بالانكسار. لم يكن باستطاعة زوجته أن تراه بهذه الحال. اقتربت منه مبتسمة ووضعت يدها على كتفه قائلةً “ليست المرة الأولى. ليست نهاية الكون. سنجد حلاً كما نفعل دائماً. لقد مررنا بظروف أصعب من ظروفنا هذه وتجاوزناها. لا تقلق. أنا واثقة من أننا سنجد الحل”.

نظر إليها في عينيها مباشرةً وسألها باستغراب “ما الذي يجعلكِ تحبين رجلاً فاشلاً مثلي؟ هل حقاً أستحق كل هذا الحب منكِ؟ أنتِ تستحقين رجلاً أفضل مني. لقد ظلمتكِ حين اخترتكِ كي تسيري معي في دربي المجهول”.

فردت عليه مبتسمةً:

“فاشل؟ إخفاقنا في تجربة أو اثنتين أو حتى عشرة لا يعني أننا فاشلين. بل يعني أننا نحاول. سأخبرك لماذا أحب رجلاً مثلك إذا كنتَ ترغب حقاً ان تسمع إجابتي. أحب رجلاً مثلكَ لأنك الوحيد الذي نجحت في جعلي أستعيد ثقتي بذاتي، الوحيد الذي نجح في أن يثبت لي أنني أستحق الحب، فيما كان جميع من في حياتي من أهل وأصدقاء يحاولون أن يثبتوا لي العكس. أحب رجلاً مثلك لأنك استطعت أن تكسر نظرتي السلبية اتجاه الرجال. باحترامك اللامتناهي وتعاونك الدائم، باهتمامك بأدق التفاصيل التي تسعدني، بدعمي بدلاً من لومي حين أخفق في تولي مسؤولياتي، بتباهيكَ بي أمام الناس ودفاعكَ عني في غيابي حين ينتقدني أحد الأقارب.

أحبك لأنك لم تفشل يوماً منذ 10 سنوات حتى يومنا هذا في أن تثبت لي بأنك تستحق هذا الحب. ولأنك في كل مرة كنتُ أظن أنني ارتكبتُ خطأً فادحاً، وأقف أمامك حائرةً محاولة تبرير تصرفاتي، كنتَ تخبرني أنكَ ستساندني رغم كل شيء. وكنتَ تحاول أن تطمئنني وتحميني من خيبتي عوضاً عن لومي وتوجيه الإتهامات”.

رأت الحزن في عينيه يتزايد حتى كاد يبكي. فطأطأ رأسه مجدداً كي يخفي ذاك اليأس الذي يملأ فؤاده وذاك الخجل الذي يعتريه. فأمسكَت بوجهه ورفعته قائلةً:

” ألم تفهم؟ أتريد المزيد؟

أحبكَ لأن حضنكَ كان كافياً كي يحتويني وحزني وخيبتي وألمي وتوتري وتقلباتي المزاجية الحادة بعد أن توفي أبي. ولأنكَ في كل مرة توقعتُ فيها أنك ستتخلى عني تمسَكتَ بي أكثر. ولأنك في كل جدال لم يهمكَ يوماً أن تكون المنتصر، بقدر ما كان همكَ أن ألا تراني منكسرة. ولأنكَ حتى يومنا هذا لم تخلف ذاك الوعد، بألا يغفو أحدنا وفي قلبه حزن بسبب الآخر.

أحبك لأنك رغم كل الظروف التي مررنا بها لم تتغير، لأنك لم تشوه البدايات الجميلة ولم تتبع القطعان السائدة كي تثبت رجولتك. بل أثبت رجولتكَ بكل ما تعني كلمة رجولة من معنى، بخوفك عليّ واهتمامك بي، وحمايتي من كل مَن حاول أن يقلل من شأني. حميتني حتى من ذاتي، لطالما جادلتني كي تؤكد لي أنني أستحق أفضل مما أعتقد، وأنني قادرة على تحقيق المزيد من النجاح، وثقتَ بي فيما كانت ثقتي بذاتي شبه منعدمة، وجعلتني أصبح أقوى.

أخفقت؟ ما المشكلة في ذلك؟ وهل طلبتُ منكَ يوماً أن تكون كاملاً مثالياً لا يشوبكَ خطأ؟ بأخطائكَ وتهورك وإخفاقاتكَ أحبك. رغم ما قيلَ وما يُقال وما سيُقال. رغم المجهول الذي يحاصرنا والمشاكل اللامتناهية والخوف والتعب أحبك”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى