الرجل والمرأة

الصراع بين المذكّر والمؤنث: كيف يحدث في داخلنا وما الذي ينتج عنه؟ (2)

في حالة الصراع بين المذكر والمؤنث، ترفض الشخصيّة كل ما هو مرتبط بالجانب الجنسي الآخر أو تنكره (وهي عملية تجري بشكل لاواعي أيّ أنّ الوعي لا يتحكّم بها).

يتم تعزيز الميل الجنسي الطاغي فيما يُعتبر الجانب الجنسي الآخر ضاراً وخطراً. وتعمد الشخصيّة إلى وضع عملية انفصال وكبت قيد التنفيذ لحماية نفسها.

يعمل كل جانب جنسي بشكل منفصل عن الآخر. ولا يمكن للجانب الجنسي الآخر أن يمارس أيّ تأثير على الجانب الواعي إذا ما جرى كبته. لكن الميل المكبوت لا يختفي في اللاوعي (هذا ما يقوله التحليل النفسي). هذا الميل يُخنق، يُكمم بالتأكيد إلا أنه يبقى حاضراً وناشطاً وهو يستمر في الظهور انطلاقاً من أعماق اللاوعي. وبالتالي، يدخل في صراع مع “العناصر التي توجّه الشخصيّة وتديرها”.

مثال 1

لنأخذ مثلاً امرأة من مجتمع محافظ جداً. تعتمد منذ الطفولة السلوك الذي يتناسب مع سلوك فتيات العائلات المهذّبات، وفقاً لمعايير محيطها وبيئتها.

بالتالي، لتكون فتاة “لائقة”، نجدها تخضع للقواعد. فتطيع من دون نقاش وتبقى صامتة وتمارس نشاطات هادئة.

فالركض أو القفز أو الشجار وهذا أسوأ (علامات خارجية تشير إلى التمرّد) تصرفات من شأنها أن تفضي بها إلى مدرسة داخليّة. وتشكّل عبارة “صبي” أو كلمة “مسترجلة” (فتاة تتصرف كالصبيان) بنظرها أسوأ إهانة ممكن أن توجّه إلى فتاة. تجري شيطنة كل ما يرتبط بالسلوك الذكوريّ.

يحمل وجهها علامات الجانب الذكوري بشكل بارز (النبرة، حدّة النظرة، الحيويّة).

في هذا الإطار من الرقابة الأخلاقيّة، لا مفر من أن يقوم الصراع بين الجانب الجنسي المسيطر والجانب الجنسي الثانويّ. ويجري كبت الجانب الذكوريّ. وكل وضع يتطلب قدرة ذكوريّة يحبطه ويعرقله الشعور بالخزي. (انطباع “الصبي” أو “المسترجلة”).

لنأخذ حالة تكون فيها مرشّحة لترقية. ما الذي يجري؟ ستحتاج إلى الطموح والشغف والروح القتالية. لكن، وبما أنها ترفض هذا الجزء من نفسها وتكبحه، تفضّل أن تتخلى عن الترقية. بالتالي، تحافظ على موقف سلبي.

يحاول الميل المكبوت باستمرار أن “يطفو على السطح”

إذا تمكّن هذا الميل من الخروج إلى العلن فسيفعل ذلك بطريقة غير مناسبة أو غير لائقة. بالتالي، يمكن لهذه المرأة أن تصل إلى حدّ استخدام القوة لحل خلاف بسيط.

يعبّر الميل المكبوت عن نفسه بطريقة “بدائيّة” وغير ناضجة. (كما كانت لتتصرّف وهي في سن السابعة في ملعب المدرسة). ويؤدي هذا السلوك إلى استنكار المجتمع الذي يرفض تصرّفها ويدعمها في ضرورة سحق الجانب الذكوريّ فيها.

أعود وأؤكّد على أنّ هذه العملية لا تخضع لوعي الشخص.

ويمكن لهذا السياق أن يؤدي إلى كبت الشخصيّة حيث تتعرّض قدرات الجانب الذكوري للشلل التام وتتعرقل كافة الأعمال والنشاطات التي تتطلب الحيوية أو الروح القتاليّة أو الطموح أو النزعة الاستقلاليّة.

مثال 2

إنه فتى ذو ملامح توحي بالأنوثة وذو طباع هادئة. شاب حالم ولا يمكن مقارنته ببقية الصبية الذين يسيئون معاملته ويصفونه من دون تردد “بالمخنّث”. عندما يشكو لوالده، يلومه هذا الأخير لأنه يتصرّف كالفتيات. ويسخر منه أخوه لأنه يعتني بأغراضه ويطلق عليه تسمية “جنيّة المنزل”.

بعبارة أخرى، عندما يعي ويدرك الناحية الأنثوية لديه، لا يرى فيها سوى مصدراً للتحقير والإهانة: فيكبتها ويقلل تدريجياً من قيمة ما يرتبط بالنساء وبجنسهن من قريب أو بعيد ويحقّره. يكره رقة ملامحه الخاصة ونعومتها ويتفوّه بعبارات مهينة بشأن النساء. ويمكن للوضع أن يتطوّر ليصل إلى نوع من الكراهيّة المعلنة للنساء، لا بل إلى عدم قدرة على الشعور بأيّ حبّ نحو أيّ امرأة.

نشهد هنا صراعاً بين الرغبات والممنوعات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى